كان في عام 1928م في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة؛ لذلك تُعَدُّ أكبر دولة في تصدير البرامج في العالم؛ إذ يُقدَّر ما تُصدره في السنة الواحدة بـ (130) ألف ساعة برامجية، بتكلفة 1000 دولار للدقيقة الواحدة، ثم ظهَر بعد ذلك في باقي دول العالم.أما في البلاد العربية، فقد بدأ البثُّ في المغرب عام 1954م، وفي العراق عام 1956م، ثم توالى البثُّ في باقي البلاد العربية.وقد بلغ عدد محطات الإرسال للرائي في الدول العربية 190 محطةً عام 1977م.
مميزاته:يتميَّز الرائي بمُميِّزات خاصة استطاع بها جذب جمهور المذياع، وخاصة الأطفال والشباب،
هذه الميزات هي:1- أنه يجمع بين الرؤية والصوت والحرَكة؛ مما يَجذِب الانتباه ويُثير الحواس أكثر من أي وسيلة أخرى.2- يُقدِّم الأحداث كما هي في الواقع زمَن حُدوثِها.3- يَنقُل الأحداث إلى الأسرة داخل المَنزل بالصورة والصوت والحركة، وهو بهذا يوفِّر الوقت ويُعمِّم المعرفة.وظيفته: تختلف النظرة إلى الرائي في المجتمعات حسب عقيدة هذه المجتمعات؛ فالمجتمعات الغربية ترى أن وظيفة الإعلام التلفزيوني الرئيسة هي (الترفيه، وملء أوقات الفَراغ)، وهذا الرأي ينطلِق من الأساس المادي للحياة الغربية، وأن على الإنسان أن ينتهِزَ فرصة الحياة الدنيا ليُمتِّع نفسه أقصى درجة التمتُّع، وهذه الحياة هي الغاية، وهي المصير، ولا حياة بعدها، أما المجتمعات الشيوعيَّة، فترى أن التلفزيون وسيلة ترفيه ودعاية بنفس الوقت؛ فالبرامج الترفيهية تُنسي الإنسان واقعه الاقتصادي المُتعب، وواقعه الاجتماعي المُتحلِّل، وتجعله يعيش في عالم خيالي، وتزيد من تَحلُّله الأخلاقي، وتَخلُق فيه رُوح اللامبالاة، أما الدعاية، فهي للفِكر الماركسي الذي عفا عليه الزمن، وثبَت أنه يُناقِض الحياة والفِطرة، ووظيفة الدعاية هذه هي وظيفة كل وسائل الإعلام في الدول الشيوعيَّة سابقًا.أما عن وظيفة التلفزيون في المُجتمَع الإسلامي، وكما هو في الواقع الآن، فلا أظن أنه يَنطلِق من مبادئ معيَّنة؛ فهو يجمع بين الترفيه والتوجيه، وإن كان الترفيه هو الغالب في التلفزيون العربي حاليًّا.وما أحوجَنا إلى تأصيل عقدي حقيقي لوظيفة التلفزيون في المجتمع الإسلامي الذي يسير وَفْق هدى الله، فهو لن يكون سوى وسيلة خير وهدى:1- تَنشُر الدعوة الإسلامية في كل مكان.2- تنشر التعليم، وتمحو الأمية.3- تزيد في وعي أفراد المجتمع سياسيًّا وفكريًّا واقتصاديًّا.4- تُحرِّر العقل الإسلامي مِن قيود الأوهام والخُرافات.5- تُغيِّر المفاهيم الخاطئة التي تراكمَت بتأثير الإعلام المعادي.6- تُروِّح وتُرفِّه عن النفس، مِن عناء التعب الجِسمي والعقلي، ولكن ليس بالأسلوب الغربي أو الشرقي غير الأخلاقي، بل بأسلوب نظيف، عن طريق المشاهِد الخلابة التي تُسبِّح الله، الناطقة بقدرة الله - عز وجل - وآياته في الكون والإنسان، وعن طريق القصص التاريخيَّة التي تُبرِز بطولات المسلمين، والقصص الاجتماعية التي تُظهِر السلوك الإسلامي المتميِّز في المعاملة والأخلاق الرفيعة.وليس ضروريًّا أن نُلزم الإعلام التلفزيوني بالأخبار وتلاوة القرآن فقط، فيملَّ الناس وينصرفوا إلى ما هو أشدُّ منه ضررًا، وهو الفيديو، أو أي وسيلة أخرى فاسدة.أثر الرائي على المشاهدين:يتوقَّف تأثير الرائي على عوامل كثيرة؛ منها ما يتعلق بالبرامج التلفزيونية، ومنها ما يتعلق بالمُشاهِد ذاته.أما العوامل المتعلقة بالبرامج، فالعلماء ما زالوا يُطوِّرونها، ويتفنَّنون في أسلوب عرضِها، لزيادة تأثيرها على المُشاهِدين، والعلماء الغربيُّون لهم باع طويل في هذا المجال؛ إذ إن الرائي بعرفهم وسيلة مُهمَّة من وسائل الترويح والترفيه عن جماهيرِهم.أما العوامل التي تتعلَّق بالمُشاهِد، فترجِع أولاً إلى عقيدة المُشاهِد، ودرجة تعلُّمه، وسنِّه، وجنسه، ومن النتائج المهمَّة التي توصَّل إليها العلماء أن الرائي يزداد تأثيره على نوعين من أفراد المجتمع: الأطفال، وذوي التعليم المنخفِض والأميين.وبصفة أن نسبة الأمية في المجتمع العربي خاصة - والمجتمع الإسلامي عامة - مرتفعة جدًّا من 70 - 75%.وأن عدد الأطفال عام 1980م - وهم الذين بين الخامسة والرابعة عشر - بلغ 43 مليونًا.إذًا، فإن الرائي يؤثِّر على نسبة كبيرة من أفراد المجتمع العربي، وخاصة إذا بقي بصورته الحالية وبرامجه غير الهادِفة، التي تَخلِط الصالح بالطالح، وقد ازداد خطورة الآن عندما انتقل البثُّ عن طريق الأقمار الصناعية، وتستطيع أجهزة الاستقبال التِقاط أي محطة يُريدها المُشاهِد من الغرب أو الشرقِ.كل هذا يدفعُنا إلى الإسراع بتحويل الإعلام التلفزيوني إلى إعلام هادف ونظيف في الوقت نفسه، غايته الخير لا الشر، والأخلاق لا الانحِلال.ولكن ما نوع هذه التأثيرات على المُشاهِد؟لقد أكَّد العلماء والاختصاصيون في الإعلام أن للرائي مجموعة من التأثيرات، وليس تأثيرًا واحدًا، وكلها خطرة جدًّا على الكائن البشَري وعلى المُجتمَع، وهي تأثيرات فكرية وفسيولوجية واجتماعية واقتصادية وسياسيَّة[1].أما تأثيره الفكري، فهو يُحدِّد ويَحصُر المعرفة الإنسانية، ويُغيِّر الطريقة التي يحصل بها الإنسان على معلوماته من العالم، وبدلاً من توفيرها لمعلومات طبيعيَّة متعدِّدة المصادر والأبعاد من مطالعة ودرس للكتاب، ومُشاهدة للطبيعة، وتَجرِبة واقعية، ومُحاوَرة مع أهل العلم والمعرفة، وغيرها من الوسائل، نجد الرائي يَحصُر العلم بناحية ضيقة داخل قنواته القاسيَة، وحسب ما يرغَب به معد البرنامج من عرض أنواع مُعيَّنة من المعلومات، وبسببه نعتقد أننا نعلم كثيرًا، ولكنَّنا بالعكس من ذلك لا نُحصِّل إلا معلومات أقل من أي وسيلة أخرى.والرائي أيضًا يُحوِّل العقل الواعي عند الإنسان إلى عقل يُقادُ وكأنه مُنوَّمٌ مغناطيسيًّا، فيَصُبُّ فيه الرائي ما يريد من معلومات، فهو إذًا آلة لغسيل الدماغ وملئه بالمعلومات التي ترغَب بها الهيئة أو السلطة المسيطِرة عليه.• ويَعقِد (جيري ماندر)، وهو أحد الاختصاصيِّين الإعلاميِّين ومؤلف كتاب "أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون"، مقارنةً بين تلقي العلم من الكتاب وتلقي العلم من الرائي "التلفزيون"، فيقول: "وقراءة الكتب توفِّر نوعًا من التلقين الاسترجاعي أيضًا، إن الكلمات التي تقرؤها لا تُصَبُّ داخلك بعكس الصور والخيالات - الصادرة من الرائي - والسرعة يتحكَّم فيها القارئ وليس الكتاب، وعندما تقرأ فإنك تَقدِر على استرجاع ما قرأته، والتوقُّف للتفكير، وأخذ المهم، كل هذا يُوسِّع الوعي والانتباه للمادة المقروءة، ويبقى أمر اختيار المعلومات التي تبغي إبقاءها في عقلك الواعي راجعًا لك وحدك.ويُصادِف في كثير من الأحيان أن نقرأ فقرةً من كتاب، ثم نُدرك أنا لم نَستوعِب شيئًا منها، وهذا يتطلَّب الرجوع ثانيةً إلى قراءة هذه الفقرة بتركيز أكبَر، إن الكلمات لا تَعني شيئًا للقارئ ما لم يتمَّ هذا بمَجهود واعٍ، ومشاركة مُباشِرة، وسرعة شخصيَّة في القراءة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق